×

أخر الأخبار

الانتخابات ورسائلها الداخلية والخارجية.. السيادة كخيار أوحد

  • 22-11-2025, 23:22
  • 71 مشاهدة

 د. طارق المندلاوي

رغم حجم الضغوط التي سبقت الانتخابات التشريعية، تمكن الشعب العراقي من صناعة مشهد سياسي استثنائي، عندما فرض حضوره الواسع في صناديق الاقتراع، في خطوة أربكت خصوم العراق وأفشلت رهانات كثيرة كانت تعوّل على إحباط الشارع وتراجع المشاركة.

فقد جاءت هذه الانتخابات لتؤكد أن العراقيين، وعلى الرغم من كل التحديات الإقليمية والدولية، ما زالوا يتمسكون بقدرتهم على حماية قرارهم الوطني وصيانة تجربتهم السياسية.

لقد واجه العراقيون حملة غير مسبوقة من الضغوط، استخدمت فيها بعض الأطراف كل ما تمتلكه من أدوات؛ من المال السياسي إلى الحملات الإعلامية السوداء والتهويل والتهديد المباشر.

وكانت غاية هذه المحاولات واضحة، جرّ العراق بعيداً عن محيطه الطبيعي، وتمزيق ثقته بنظامه السياسي، ودفعه نحو مسارات تفقده استقلاله وتضعه في دائرة التبعية والتطبيع.

غير أن العراقيين تعاملوا مع هذه الضغوط بوعي عالٍ، وأثبتوا أنهم أكبر من محاولات التأثير والابتزاز، وأكثر إدراكاً لطبيعة الصراع الذي يراد جرّهم إليه.

المشاركة الواسعة حملت رسائل متعددة الاتجاهات. أولى هذه الرسائل تمسك العراقيين بنظامهم السياسي بعد 2003، باعتباره الإطار الذي حفظ البلاد من الانحدار مجدداً نحو الدكتاتورية أو الصراع الأهلي.

 لقد أعلن الناخب العراقي بوضوح رفضه لكل من يحاول إعادة إنتاج الفتن أو توظيف التهديدات الخارجية لتغيير قواعد اللعبة السياسية، وأكد أن الطريق الوحيد للتغيير هو صندوق الاقتراع وليس سواه.

كما أن ما شهدته المنطقة خلال العامين الماضيين، في غزة وسوريا ولبنان واليمن والسودان، خلق حالة وعي جديدة لدى العراقيين، جعلتهم أكثر حساسية تجاه الأخطار التي تقترب من حدود بلدهم.

 ولذلك كان الخيار الشعبي متجهاً نحو إيصال شخصيات وقوى قادرة على حماية السيادة وتحصين القرار الوطني، وعلى فهم طبيعة البيئة الإقليمية التي تتشكل من حول العراق.

وقد جاءت تهديدات وزير الدفاع الأمريكي، ثم تصريحات مبعوث الرئيس ترامب مارك سافيا، لتكشف حجم التدخلات الخارجية التي كانت تراهن على إضعاف المشاركة، لكن العراقيين تعاملوا مع هذه التهديدات بوصفها محاولة مكشوفة للتأثير على اتجاهات التصويت، فكان الرد الشعبي حاسماً، وأثبتت النتائج أن العراقيين لا يسمحون لأي جهة مهما تكن أن تفرض عليهم خيارات لا تنسجم مع إرادتهم.

كما أكدت المشاركة أن العراق ليس ساحة مفتوحة أمام السفراء والوسطاء والضغوط، فالإرادة الشعبية التي ظهرت في الانتخابات أعادت تثبيت خيار المقاومة في مواجهة أي تدخل خارجي، ورفض العودة إلى حالة الارتهان أو التبعية.
 وفي الوقت نفسه، أغلقت هذه المشاركة الباب أمام محاولات إعادة إنتاج مشاهد الفوضى والعنف والقتل على الهوية، بعدما أثبت العراقيون أنهم أكثر وعياً وأن نظامهم السياسي قادر على استيعاب كل المكونات دون إقصاء.

ولا يمكن في هذا السياق إغفال الدور المفصلي للمرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة السيد علي السيستاني، التي لعبت دوراً حاسماً في أكثر من محطة، وكانت صمام الأمان الذي حافظ على المسار الديمقراطي ومنع انزلاق البلاد نحو الفوضى. وقد شكّل موقف المرجعية في هذه الانتخابات دعامة أساسية لنجاحها، إذ أعادت التأكيد على أهمية الاحتكام إلى صندوق الاقتراع واحترام إرادة الشعب باعتبارها الضمانة الأهم لاستقرار العراق ومستقبله.

لقد أثبت العراقيون أنهم يمتلكون الوعي الكافي لإفشال مشاريع الفوضى أو الوصاية الخارجية.
 وتبقى الكرة الآن في ملعب القوى الفائزة والحكومة المقبلة، لترجمة هذه اللحظة التاريخية إلى سياسات عملانية تعزز السيادة الحقة، وتستثمر الثقة الشعبية في بناء دولة قوية، مستقلة، قادرة على حماية مصالح العراقيين وصون وحدتهم واستقرارهم، والكورد الفيليون بطبيعة الحال في صدارة كل جهود تعضيد التجربة العراقية الفريدة في تنوعها وخصوصيتها.