خانقين . ايناس الوندي
على تخوم خانقين، حيث تتعانق الجبال الشرقية مع سهل المدينة، تتمدد قرية كاني ماسي كأنها حارسٌ صامت لقرونٍ طويلة. قرية صغيرة بمساحتها، كبيرة بجراحها، تغتسل بمياه نهرٍ رقراق، وتنهض كل صباح على ذاكرة لا تهدأ… ذاكرة مرّت عليها كل حروب العراق، وكل فصول النزوح والعودة.
تاريخ لا ينطفئ… رغم المحو
لا يبدأ تاريخ كاني ماسي من لحظة تدوين اسمها على الخرائط، بل من آلاف السنين.
تنقيبٌ بسيط في تربتها كفيل بأن يكشف أواني فخارية تعود إلى ما بين 1415 و1290 ق.م، دلالة على استيطان بشري ضارب في أعماق الزمن.
وفي العصر الحديث، كانت القرية جزءًا حيًا من فسيفساء خانقين؛ فسيفساء التعايش بين العرب والكورد والأقليات الدينية التي صنعت هوية المدينة العتيقة.
إلّا أن الثمانينيات قلبت كل شيء.
خلال حملة الأنفال، أُخليت القرية بالكامل ودُمرت من جذورها، وتشتت أهلها بين القرى والبلدات المجاورة. ومع انتهاء العاصفة، عاد جزءٌ من أبنائها ليقيموا بيوتهم من جديد فوق الركام، كأنهم يقولون للعالم: نحن هنا… ولن نمّحي.
الطبيعة تكتب سيرة البقاء
ورغم كل المآسي، ما زالت كاني ماسي تحتفظ بـ جمالٍ بكر لم تلوثه الصراعات.
على سفوح التلال، تصطف بساتين التفاح والعنب والتين، وتتدلى خلية نحل تعلن استمرار الحياة.
يشتغل السكان بالزراعة وتربية النحل، في مشهد يُثبت أن القرية لا تُهزم، وأن الطبيعة حين تقف مع الإنسان تمنحه فرصة جديدة للبدء.
ومن خلال تحقيق ميداني: أسئلة بلا إجابات وحضور أمني ثقيل
رحلة البحث في تفاصيل كاني ماسي تكشف فراغًا كبيرًا في المعلومات.
مصادر محلية تتحدث عن عدد محدود من العوائل التي عادت للعيش فيها، لكنها لا تقدّم صورة دقيقة عن الانتماءات القومية والدينية للسكان، ما يفتح بابًا واسعًا أمام الحاجة إلى التوثيق.
إلى جانب ذلك، تشير شهادات من سكان خانقين إلى تحركات عسكرية وتوترات أمنية قرب المنطقة، ما يضع القرية في دائرة القلق الدائم، ويؤثر على النشاط الزراعي والحياة اليومية.
بين الذكرى والصمود… حكاية لم تُكتب بعد
كاني ماسي ليست مجرد نقطة على خريطة خانقين، بل جسر بين التاريخ العميق والواقع القاسي.
قريةٌ تشبه كتابًا مفتوحًا على الحروب، وعلى الطبيعة، وعلى إرادة بشرية تقف كل مرة من جديد.
ختاما : قصتها ما زالت بحاجة إلى التوثيق... تنتظر تحقيقًا ميدانيًا يروي تفاصيلها كما يجب، ويعيدها إلى الواجهة بوصفها واحدة من القرى التي قاومت النسيان، وانتزعت مكانها في التاريخ بقوة البقاء.