×

أخر الأخبار

ابتسامة الوداع على الرصيف... القصة الأليمة لضحايا الكورد الفيليين في عهد النظام المقبور

  • 21-08-2025, 21:28
  • 160 مشاهدة

تنوع نيوز .ايناس الوندي

رثاه أحد أبناء الكورد الفيليين على صفحات التواصل الاجتماعي، ولقّبه بـ "رداءة زمن".

ذلك الشاب ذو الملامح الهادئة واللحية الكثة، بملابسه الممزقة الملطخة بالغبار، عُثر عليه جثة هامدة على رصيف في احد المدن الكوردية بمدينة خانقين، منبع الكورد الفيلية. كانت على وجهه ابتسامة غريبة، كأنها سخرية مُرّة من حياةٍ سرقت منه كل شيء.
قصة أبن مدينة خانقين في محافظة ديالى على الحدود الايرانيه
اسمه علي عزيز، أو كما كان يُعرف بين أصدقائه بـ "علوش". لم يكن سياسيًا، لم يكن صاحب شعارات ولا قريبًا من دهاليز السلطة. كان مجرد شاب بسيط، عاشقًا للنشاطات المدرسية، بعيدًا عن مشاكسات الطفولة. حتى أن معلميه كانوا يرون فيه مشروع نجاح كبير، لكن قدره سار في طريق آخر.
في يومٍ أسود من ثمانينات القرن الماضي، داهمت الأجهزة الأمنية بيته، ليس لأنه ارتكب ذنبًا، بل لأنه شقيق رجل يقاوم في الخفاء نظام البعث. حاول أن يصرخ ببراءته، لكن صوته ضاع بين الجدران الباردة للمعتقل.
هناك، كشفوا له جثة شقيقه المعدوم. كانت آثار التعذيب وحبل الإعدام واضحة على عنقه، وجهه منتفخ وقد محته الوحشية. ظل علي يحدق طويلًا، لم يبكِ، لم يصرخ، فقط صمت. كان البكاء في داخله، والألم يحفر قلبه بلا صوت.

أعادوه إلى الزنزانة، ساكتًا كأنه فقد القدرة على الكلام. في اليوم التالي، علقوه، عذبوه، مزقوا جسده، لكنه لم ينطق. كان يحدق في وجوه جلاديه وكأنه لم يعد ينتمي لهذه الدنيا.
بعد أسابيع، أطلقوا سراحه. لكنه لم يرجع إلى البيت. الشارع صار بيته، والرصيف وسادته. وفي صباح بارد، وجدوه هناك، مبتسمًا والسيجارة المطفأة قد حرقت سبابته.
لم يعرف أحد لماذا ابتسم علوش في لحظته الأخيرة. هل كان يستهزئ بالحياة؟ أم كان يضحك على موتٍ صار أهون من الذل؟ أم كان يبتسم لأخيه الذي سبقه إلى المقصلة؟

أكثر من قصة شخصية... مأساة أمة
لم تكن مأساة علوش حالة فردية، بل كانت انعكاسًا لواقع الكورد الفيليين في الثمانينات، ذلك العصر الذي امتلأت فيه السجون بضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم من قومية أراد النظام البعثي اقتلاعها من جذورها.
مئات العوائل الفيليّة جُرِّدت من الجنسية العراقية، صودرت ممتلكاتها، وسُفّرت قسراً إلى الحدود الإيرانية تحت حجج واهية. أما الشباب، مثل شقيق علوش، فقد كان مصيرهم المشانق أو المقابر الجماعية، في سجون كأبو غريب ونقرة السلمان، حيث التعذيب كان سياسة ممنهجة لكسر الإرادة.
ابتسامة علي الأخيرة لم تكن عادية، بل كانت ربما صرخة مكتومة ضد زمن الرداءة، زمن لم يترك للكورد الفيليين سوى خيارين: الموت ببطولة، أو العيش بذاكرة مثقلة بالفقد.

   رثاء من القلب
كتب أحد أبناء الكورد الفيليين على صفحات التواصل الاجتماعي:
"كان هذا الشاب الجميل ذو اللحية الكثة والملابس الملطخة، الذي عُثر عليه جثة هامدة على الرصيف، قد ترك ابتسامة ساخرة اعتاد أن يرسمها استهزاءً بزمن الرداءة الذي غيّر مجرى حياته دون ذنب يقترفه. لم يكن من أهل السياسة، ولم يعرف دهاليزها، فقد كان منذ طفولته عاشقاً للنشاطات المدرسية، يحلم بمستقبل يليق ببراءته، مبتعداً عن مشاكسة أقرانه. حتى أن معلميه كانوا يراهنون على نجاحه الباهر بعد إكمال الدراسة."

وأخيرا : مات علي ودفن معه كل ذكرياته الجميلة حاله حال الكثيرين من ابناء الكورد الفيلين اللذين عانوا من ويلات النظام المقبور   .
 .