×

أخر الأخبار

"أخذ بيد صديقه نحو الموت"... محمد الفيلي، الطبيب الذي اختنق داخل مصعد هايبر ماركت الكوت

  • 18-07-2025, 00:12
  • 310 مشاهدة

الكوت . ايناس الوندي

عند الساعة العاشرة مساءً، اندلع حريق في الطابق الخامس من "هايبر ماركت الكورنيش"، المجمع التجاري الذي لم يمضِ على افتتاحه سوى أيام قليلة، وسط الكوت. دقائق قليلة كانت كافية لتحوّل المكان إلى ساحة فوضى، لهبٌ يتصاعد، دخانٌ يخنق، وصراخٌ يبحث عن مخرج.
في خضم هذا الرعب، وقف الدكتور محمد الفيلي أمام اختيار مصيري: النجاة بنفسه، أو العودة لصديقه الذي يعاني من ضعف في البصر، وكان لا يزال في الطابق نفسه، عاجزًا عن الهرب.
فاختار محمد أن يرجع.
عاد إليه، أمسك بيده، وقاده إلى المصعد، ظنًا منه أن النجاة ممكنة. لكنها لم تكن إلا اللحظة التي أغلقت عليهما الحياة.

   المصعد الذي لم يفتح
انقطعت الكهرباء سريعًا. توقف المصعد بين الطوابق. تصاعد الدخان بلا رحمة. لم تنفع محاولات الاستغاثة.
ولم تمر سوى دقائق حتى كان الصمت هو الصوت الوحيد. مات محمد

واختنق صديقه معه.
سقطا معًا، كما دخلا معًا... يدًا بيد.
يقول حيدر الفيلي، خال محمد، بصوت تختنقه الدموع:
"كان يقدر ينجو، والله يقدر ينجو،
بس ضميره منعه يترك إنسان ضعيف. محمد ما تعلم يخذل أحد
حتى قدّام الموت."

من هو محمد الفيلي؟
محمد الفيلي، رجل في منتصف الأربعينات من عمره، طبيب معروف في مدينة الكوت، من أبناء  الكورد الفيلية. متواضع، دمث الأخلاق، خجول، يقدّم خدماته الطبية مجانًا للفقراء، ويؤمن أن "الطب رسالة، مش مهنة".
عمل في عدد من العيادات الخاصة والحكومية، وكان يطمح لافتتاح مركز صحي خيري لعلاج المرضى المحتاجين، لكن الحريق أطفأ أحلامه قبل أن تضيء.
ضحايا دون إنذار
مع محمد، توفي أكثر من 60 شخصًا في الحادث، وجرح العشرات.
لم يكن في المجمع إنذار حريق. لم تكن هناك مخارج طوارئ واضحة. حتى سيارات الإطفاء، قال شهود عيان إنها وصلت متأخرة، وبعضها كان بلا ماء.
منظمة الدفاع المدني أعلنت لاحقًا أن المبنى لم يكن مرخّصًا بالكامل، ولم يخضع لمعايير السلامة المعمول بها.

المدينة التي خنقها الدخان
أعلنت الحكومة العراقية الحداد لثلاثة أيام، وبدأت التحقيق مع مالكي المجمع والدوائر المرتبطة بترخيصه.
لكن أهالي الكوت لا يبحثون فقط عن مسؤول، بل عن عدالة روحية لأولئك الذين اختنقوا بصمت في المصعد، في الحمّام، تحت الأدراج، خلف الأبواب المغلقة.
أحد أقارب محمد كتب منشورًا على فيسبوك قال فيه:
 "أكو ناس تموت بالرماد وتخلي
وراها نور.. محمد الفيلي واحد منهم."

وفاء حتى الموت
لم يكن محمد بطلاً بأسطورة، ولم يطلب مجدًا. كان رجلًا عاديًا، طبيبًا بشريًا، اختار في لحظة حاسمة أن يكون إنسانًا حتى آخر أنفاسه.
لم يترك صديقه، حتى لو كان الثمن حياته.

ختاما .قصة الدكتور محمد الفيلي ليست فقط عن حريق، بل عن معدن الرجال في لحظة الحقيقة. عن الوفاء في زمن القسوة.
عن مدينة فقدت ابنًا من أطيب أبنائها... واحتفظت باسمه في ذاكرتها، لا كرقم في سجل الموتى، بل كدرس خالد في معنى الإنسانية