إعداد: إيناس الوندي
على ضفاف نهر الوند، وفي حضن مدينة خانقين الوادعة، ينتصب شاهدٌ صناعيّ عريق يروي فصلًا من فصول الريادة العراقية في ميدان الطاقة. إنه مصفى الوند، أحد أقدم المصافي في العراق، والذي يشهد على مرحلة مبكرة من تاريخ استخراج وتكرير النفط في البلاد.
من حلم إلى واقع.. البدايات الجريئة
تعود قصة هذا المصفى إلى عام 1926، حين بدأت شركة نفط خانقين المحدودة أولى خطواتها الجريئة نحو بناء منشأة تكرير وسط ظروف فنية غامضة، إذ لم تكن الشركة قد بلغت بعد منابع النفط الأصلية ومجاريه العميقة.
ورغم ذلك، فإن اكتشاف كميات واعدة من بترول منطقة النفطخانة، على أعماق سطحية نسبيًا، حفّز الشركة على الشروع بتأسيس المصفى لتغطية احتياجات السوق العراقية المتعطشة لمشتقات الطاقة.
تأسيس المصفى.. 1927 عام التحوّل
وفي مطلع عام 1927، أبصر المصفى النور، ليصبح أول معمل في المنطقة مخصص لتكرير النفط الخام إلى مشتقات مختلفة مثل:
البنزين
النفط الأبيض
الكيروسين
النفط الأسود
وقد صُمم بطاقة تكريرية تصل إلى مليون ونصف مليون غالون شهريًا، وهو رقم كبير نسبيًا في ذلك الزمن، ما يجعل من المصفى علامة بارزة في التاريخ الصناعي العراقي
ضفاف الوند شاهدة على الصناعة
يقع المصفى على الضفة الجنوبية لنهر الوند، في منطقة "المحولة"، على بعد أربعة أميال فقط من مركز مدينة خانقين.
ولتعزيز قدرته اللوجستية، قامت الشركة بمد ثلاثة أنابيب رئيسية تربط المصفى برأس السكة الحديدية لتسهيل عمليات شحن النفط ومشتقاته إلى الأسواق المحلية والخارجية.
الكورد الفيلية.. عمالٌ على طريق الطاقة
بحكم موقعه الجغرافي في قضاء خانقين، المدينة المعروفة باكتظاظها بالكورد الفيلية، كان مصفى الوند نقطة جذب رئيسية لأبناء هذه الشريحة الأصيلة من المجتمع العراقي.
عمل فيه العشرات من الكورد الفيلية على مدى عقود، وأسهموا بأيديهم وعقولهم في تشغيل المصفى، ليكون أحد معالم المشاركة الكوردية الفيلية في بناء البنية التحتية العراقية، رغم التحديات الاجتماعية والسياسية التي مرّوا بها لاحقًا.
خانقين.. بوابة النفط إلى الذاكرة
لم يكن "مصفى الوند" مجرد منشأة صناعية، بل كان نافذة على تحولات اقتصادية كبرى، حيث لعب دورًا مهمًا في دعم البنية التحتية للطاقة في العراق، وساهم في نهضة خانقين آنذاك، لتتحول من مدينة حدودية هادئة إلى مركز اقتصادي ناشئ.
ورغم تغيّر ملامح الزمن، لا يزال هذا المعلم النفطي يُثير في النفوس حنينًا خاصًا إلى زمن كانت فيه البدايات متواضعة، لكنها طموحة، تخلّدها الصور القديمة والذكريات التي لا تزال حيّة في وجدان أهل المدينة.