خانقين – حاورتها: إيناس الوندي
في كل زاوية من زوايا خانقين، تترك التربوية والناشطة الكوردية الفيلية فريال إسماعيل بصمة إنسانية ومجتمعية عميقة. امرأة اختارت أن تصنع من الألم قوة، ومن المسؤولية رسالة، فكانت معلمة ومديرة، سياسية وناشطة، أمًّا وأبًا، ومصدر إلهام لكل من عرفها أو سمع عنها.
في هذا اللقاء الخاص، تكشف فريال إسماعيل عن محطات حياتها، ومسيرتها الطويلة بين الأسرة والتعليم والسياسة والثقافة، وتقدم رسالة مؤثرة لكل امرأة تعاني أو تبحث عن دورها الحقيقي.
- بداية، حدثينا عن مرحلة التحول الكبرى في حياتك بعد الترمل؟
فقدت زوجي في عز شبابي، وكان لدي سبعة أطفال، أصغرهم لا يزال رضيعًا. لم يكن لدي خيار سوى الصمود. قررت أن أكون الأم والأب معًا. لم أطلب المساعدة من أحد، بل اعتمدت على نفسي، ووضعت هدفي أمامي: أن أصل بأطفالي إلى بر الأمان. الحمد لله، اليوم هم شباب وشابات يعتمدون على أنفسهم، وقد تربّوا تربية صحيحة.
- كيف كانت بداياتك المهنية في التعليم؟
بدأت معلمة في قرية "شيخ باوه"، ثم انتقلت إلى مدارس جلولاء وبقيت هناك ثلاث سنوات. بعدها نُقلت إلى خانقين، ودرّست في عدة مدارس منها: اليقظة، النهضة، خانقين، وخديجة الكبرى. وفي عام 2006 استلمت أول مهمة إدارية كمديرة لمدرسة زاكروس، ثم تنقلت بين مدارس زينب والغدير. قضيت 16 عامًا في الإدارة، وكانت تجربة غنية بالتحديات والنجاحات.
- إلى جانب التعليم، خضتِ تجربة سياسية نشطة. كيف بدأت؟
انضممت إلى صفوف الاتحاد الوطني الكوردستاني عام 2003. شاركت في مؤتمرات وندوات، ودخلت دورات تدريبية، كما عملت منسقة في المراكز الانتخابية في كل الانتخابات. في عام 2017 رشحت نفسي للانتخابات البرلمانية، وحصلت على عدد جيد من الأصوات، لكن الحظ لم يحالفني. رغم ذلك، ما زلت ناشطة سياسية وأشارك في جميع الفعاليات.
- كيف تقيّمين دور المرأة في الساحة السياسية؟
المرأة قادرة على إحداث تغيير حقيقي إذا منحت الفرصة. لكن لا بد من الدعم، ليس فقط من الأحزاب، بل من المجتمع أيضًا. ما زالت التحديات كثيرة، لكن الإرادة أقوى.
- لك أيضًا حضور واضح في الجانب الثقافي، حدثينا عنه.
كنت كاتبة في جريدة "خانقي"، وكتبت مقالات متنوعة منها: "المرأة القوية"، "النكد"، "قلب المرأة"، و"كردستان في ظل الدولة العراقية حتى 1939". كما التحقت عام 2021 بدار السلام الثقافي، وشاركت في لجنة "حمامة السلام". كنت عضو استقبال في مهرجانات ثقافية وفنية، وساهمت في استقبال شعراء وفنانين من مختلف محافظات العراق.
- رغم تقاعدك، ما زلتِ نشطة، بل وتقومين بالتدريس مجانًا. لماذا؟
أنا مؤمنة أن العطاء لا يرتبط بوظيفة أو راتب. بعد التقاعد، شعرت بفراغ لا يملؤه إلا العطاء. بدأت أدرّس الأيتام مجانًا، وأعمل كمتطوعة في تجمع خانقين النسوي. أشعر أن هذه رسالتي، وأن المرأة يجب أن تبقى فاعلة مهما تقدم بها العمر.
- ما الرسالة التي توجهينها للمرأة في مجتمعنا؟
أقول لكل امرأة: لا تيأسي. أنتِ قوية، قادرة على صنع الفرق. لا تجعلي الظروف تقهركِ، بل اجعليها دافعًا لتكوني أقوى. وكما أردد دائمًا: "الشباب والشيخوخة لا يُقاسان بعدد السنوات، بل بالقدرة على العطاء والحلم والتأثير".
فريال إسماعيل، نموذج ملهم لامرأة حوّلت الصعوبات إلى طاقة، والمسؤولية إلى رسالة. في كل خطوة من حياتها تركت أثرًا، وفي كل مجال عملت فيه خلّدت قصة تستحق أن تُروى.
- كلمة أخيرة تحبين توجيهها عبر هذا اللقاء؟
أشكركم على هذا اللقاء الذي منحني فرصة لمشاركة رحلتي. رسالتي لكل امرأة ولكل شاب وشابة في خانقين والعراق عمومًا: كونوا فاعلين في مجتمعاتكم، لا تنتظروا الفرص بل اصنعوها. لا تسمحوا للظروف أن تطفئ نوركم الداخلي.
الحياة ليست سهلة، لكن الإيمان بالنفس والعمل بصدق يمكن أن يغير الكثير. وأقول للمرأة خصوصًا: أنتِ أساس بناء المجتمع، فلا تترددي في أن تكوني قوية، مثقفة، ومنتجة في كل مراحل حياتك.