×

أخر الأخبار

خانقين.. مدينة السلام والتآخي تحتضن اللاجئين وتعيد إليهم الأمل

  • 21-02-2025, 00:26
  • 317 مشاهدة


إعداد: إيناس الوندي

 تُعدّ مدينة خانقين واحدة من أقدم المدن في محافظة ديالى شرقي العراق، وتتميّز بتنوعها السكاني والثقافي؛ إذ يشكّل الكورد الفيلية نحو 70% من سكانها، إلى جانب مكوّنات أخرى تعايشت في وئام لسنوات طويلة. ورغم ما تعرض له أهلها من تهجير وقسوة خلال الحقب الماضية، لم تفقد المدينة طابعها الإنساني وقدرتها على احتضان من لجأ إليها من مختلف المناطق والدول.

أثر عميق في قلب لاجئ[spoiler][/spoiler]

في خضمّ الأحداث الأخيرة التي شهدها لبنان، يروي الإعلامي أمير الخانقيني أن السيد حسين أحمد وعائلته وصلوا إلى خانقين ضمن مجموعة من العوائل اللبنانية التي لجأت إلى المدينة. وعلى الرغم من قصر فترة إقامتهم فيها، تركت خانقين بصمتها على وجدانهم، إذ عادوا إلى وطنهم محمّلين بذكريات لا تُنسى عن كرم وطيبة أهل المدينة.

ويضيف أمير أن حسين، بعد عودته إلى لبنان، تواصل معه هاتفيًا ليعبر عن مدى ارتياحه وحبه لخانقين، قائلًا:

"جئت إلى العراق وسكنت في أكثر من محافظة، وزرت أماكن كثيرة، لكن حب خانقين وطيبة أهلها كانا شيئاً فريداً من نوعه. لم أكن قد سمعتُ بهذه المدينة من قبل، لكنني وجدت نفسي مشدوداً للعودة إليها مجدداً رغم انتقالي إلى إحدى المحافظات الوسطى. لا أعلم لماذا، ولكنني أحببت أهلها، وحملتهم في قلبي إلى الأبد."

ويتابع حسين في حديثه عن تلك الأيام العصيبة:

"لا أزال أستذكر تلك الذكريات الجميلة مع أهلها وطيبتهم وقلوبهم النقية وبيوتهم العامرة المفتوحة لي، ومساعداتهم الإنسانية ومساندتهم لي مادياً ومعنوياً."

تاريخ من التهجير وذاكرة مشتركة

تعرّض أغلب أهالي خانقين عبر تاريخهم إلى الترحيل والتهجير القسري، نتيجة سياسات النظام السابق والحروب والأحداث السياسية المتعاقبة. وكان الكورد الفيلية من أكثر الفئات تضرراً، إذ اضطر الكثير منهم إلى مغادرة مدينتهم أو النزوح عنها.

هذا التاريخ المشترك من المعاناة جعل أهالي خانقين يشعرون بتعاطف عميق مع كل من يضطر للنزوح أو الهجرة. فذاكرتهم الجماعية ما تزال تحتفظ بآلام التهجير، ما دفعهم إلى فتح أبوابهم وقلوبهم لكل من قصد مدينتهم هرباً من الأزمات والصراعات.

مدينة تحتضن الجميع

لم تقتصر ضيافة خانقين على العوائل اللبنانية فحسب، ففي عام 2014 استقبلت المدينة عشرات الآلاف من أهالي ديالى والمحافظات الأخرى، الذين نزحوا بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة آنذاك. ورغم عدم وجود أي رابط قومي أو مذهبي، احتضن أهل خانقين الوافدين بكل ما أوتوا من كرم وإنسانية.

ويشير ناشطون محليون إلى أن المدينة لم تتخلَّ يوماً عن قيمها في نصرة الإنسان أينما كان، بعيداً عن كل الفوارق. فـخانقين، كما يصفها الكثيرون، لم تكن مجرد مدينة، بل حضنٌ دافئٌ يأوي إليه كل من دفعت به الظروف القاسية إلى الهرب من دياره.

رسالة شكر وامتنان

يؤكد حسين أحمد، في رسالته الأخيرة التي وجّهها عبر زميلنا أمير الخانقيني، أن الحب الذي وجده في خانقين لن ينساه أبداً، موجّهاً تحية خالصة إلى كل من ساعده أو ساعد أي عائلة لبنانية أخرى خلال فترة إقامتهم. كما يثمّن الجهود التي بذلها شباب قرية علي مراد، وعلى رأسهم الشيخ حسين وأصدقاؤه، إضافة إلى العوائل التي فتحت بيوتها للضيوف اللبنانيين في موقف يجسّد أسمى معاني الكرم والإنسانية.

خانقين.. مدينة السلام والتآخي

منذ القدم، عُرفت خانقين بأنها بوابة السلام في محافظة ديالى، إذ لم تهزّها العواصف السياسية والأمنية، وظلّت قِبلة لكل مَن ضاقت به السبل. واليوم، تثبت مجدداً أنها مدينة لا تعرف حدوداً للإنسانية، مدينةٌ تعكس أروع صور التكافل الاجتماعي والاحترام المتبادل بين مختلف الثقافات والمذاهب والقوميات.

وفي الختام، تبقى خانقين رمزاً للتعايش والتآخي، وتؤكد قصص الوافدين إليها—سواء من لبنان أو من المحافظات العراقية الأخرى—أن روح التضامن والاحتضان ما تزال حيّة في نفوس أبنائها، وأن المدينة ستبقى وفية لإرثها الإنساني، تحتضن كل من يبحث عن الأمان في ربوعها.

الصورة أعلاه: تظهر إحدى العوائل اللبنانية التي سكنت في خانقين، حيث التُقطت الصورة للطفلتين رقية وفاطمة مع والدتهما أثناء فترة نزوحهم. في حينه، وثّقت قصتهم الكاملة، مبيّنة معاناتهم وامتنانهم لأهل المدينة.