مع اقتراب الثلث الأخير من شهر شباط/فبراير، يتذكر الكثيرون في العراق وبلاد الشام ما يُعرف بـ"برد العجوز"، تلك الأيام الباردة التي تأتي على حين غرّة بعدما يظن الجميع أن الشتاء قد ولّى. ولكن ما أصل هذه التسمية؟ وما الحكاية التي دفعت الأجداد إلى التحذير منها؟
حكاية العجوز وشباط الخبّاط
تروي الأسطورة الشعبية أن عجوزًا كانت تمتلك عددًا من الأغنام. في الأيام الأخيرة من شهر شباط، خرجت بها للرعي بعدما شعرت باعتدال الطقس ودفء الأجواء، دون أي علامات للبرد أو المطر. شعرت العجوز بالأمان من تقلبات الشتاء، وبدافع من الثقة الزائدة، بدأت تردد بفرح:
"فات شباط الخباط، وما أخذ مني لا نعجة ولا رباط، وضربنا على ظهره بالمخباط"
كانت تعني بهذا أنها تجاوزت تقلبات شباط دون أن تفقد أيًا من أغنامها أو حتى شيئًا بسيطًا مثل رباط نعلها.
شباط ينتقم بمساعدة آذار
لكن وفقًا للأسطورة، فإن شهر شباط شعر بالإهانة من سخرية العجوز، فذهب مستنجدًا بأخيه آذار وقال: "يا آذار يا أخوي، ثلاثة منك وأربعة مني، لنخلي العجوز بالسيل تنشد!"
بمعنى أنه طلب من آذار ثلاثة أيام ليضيفها إلى أربعة أيام من عنده، لتكون سبعة أيام من الطقس العاصف، الماطر، والبارد، حتى تجرف السيول العجوز وأغنامها.
النهاية المأساوية وتحذير للأجيال
هبت العواصف وهطلت الأمطار بغزارة، وانخفضت درجات الحرارة بشكل حاد، وجرت السيول في الأودية. جرفت السيول العجوز وأغنامها، وبدأت تصرخ متوسلة:
"يا سيل درجهن على مهلهن معاشير، ليرمن بهمهن"
كانت ترجو السيل أن يجرف أغنامها برفق لأنها كانت حاملًا بصغارها، لكن السيل لم يستجب، وانتهى الأمر بموتها وغرق أغنامها.
موروث شعبي وموعظة دائمة
تحمل هذه القصة الشعبية عبر الأجيال رسالة تحذيرية: لا تأمن تقلبات الشتاء حتى ينتهي تمامًا. فـ"برد العجوز" قد يأتي فجأة، ويجلب معه خسائر كبيرة كما حدث مع تلك العجوز وأغنامها.
ورغم أن العلم الحديث يفسر هذه التقلبات المناخية بأنها نتيجة للتغيرات الجوية الموسمية، إلا أن الحكاية الشعبية بقيت حية، تُروى كتحذير للأجيال الجديدة من غدر الطقس وتقلباته.
ختاما:
يستمر "برد العجوز" في العيش في ذاكرة الشعوب كحكاية مليئة بالحكمة، تذكّرنا بألا نستهين بقوة الطبيعة، وألا نفرط في الاطمئنان حتى وإن بدت الأجواء دافئة ومستقرة.