في أجواء مفعمة بالبهجة والتراث، يحتفل سكان مدينة سردشت الكوردية في إيران بعيد "بيلندانة"، وهو تقليد متجذر في التاريخ الكوردي يعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد. يرمز العيد إلى انحسار البرد القارس وبداية ذوبان الثلوج، حيث كان الكورد في العصور القديمة يحتفلون به إيذانًا بقرب اعتدال الطقس والتخلص من مشقة الشتاء القاسي.
وفقًا للمصادر التاريخية، نشأ هذا العيد لدى الشعوب الكوردية في العصور القديمة، وخاصة في المناطق الجبلية حيث كان الشتاء قاسيًا والثلوج تغطي الطرقات لأسابيع أو حتى أشهر. ومع بداية منتصف الشتاء، كانوا يحتفلون بقدوم فترة اعتدال نسبي للطقس، حيث لم يعودوا بحاجة إلى المجارف لإزالة الثلوج المتراكمة أمام منازلهم ومساراتهم الجبلية، ومن هنا جاءت تسمية العيد، إذ تعني "بيلندانة" الاستغناء عن المجارف.
لا تزال مدينة سردشت وعدد من المناطق الكوردية الأخرى تحيي هذا العيد سنويًا بمظاهر احتفالية تعكس تراث الكورد العريق. يشارك الأهالي في طقوس تقليدية تشمل إيقاد النيران، وتقديم الأطعمة الشعبية، والأهازيج الفلكلورية، والرقصات الجماعية التي تعبر عن فرحة الخلاص من قسوة الشتاء.
إضافة إلى الطابع الاحتفالي، يحمل عيد "بيلندانة" في طياته بُعدًا رمزيًا يعكس صمود الإنسان الكوردي في مواجهة قسوة الطبيعة، إلى جانب ارتباطه العميق بالحياة الزراعية والرعوية التي اعتمد عليها الأكراد عبر العصور.
تُعد هذه المناسبة من أقدم الأعياد الكوردية التي تسلط الضوء على الهوية الثقافية للكورد، وتؤكد على استمرارهم في الحفاظ على موروثهم الشعبي رغم التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة عبر التاريخ. إذ ينظر الكورد إلى عيد "بيلندانة" على أنه جزء من تراثهم القومي، تمامًا كما يحتفلون بعيد نوروز الذي يرمز إلى تجدد الحياة في الربيع.
ورغم مرور آلاف السنين، ما زال عيد "بيلندانة" يحتل مكانة خاصة في قلوب سكان سردشت والمناطق الكوردية الأخرى، حيث يجتمعون لإحياء طقوسه، مؤكدين على تجذرهم في أرضهم وتمسكهم بتقاليدهم الضاربة في أعماق التاريخ.