١-لم يختلف شيء في الشام في عيني زائر( مدمن) على زيارتها في فصولها الاربعة الى الان..ربما وجوه الرجال الواقفين على نقاط التفتيش بلحاهم الطويلة ..وعيونهم المتوثبة بوجوه العابرين ..بغربة تستفهم عن كل شيء ..بنكهة خالية من (رقة) الحروف على شفاهٍ شامية..هي التي اختلفت أو على الاقل هذا ما شعر به معظم من عبر الحاجز الأمني (نقطة التفتيش) على مدار النهار..
٢-كان تجار سوق الحميدية والحريقة والبزورية يستفتحون صباحهم بسماع القران الكريم من المذياع او الموبايل ..وهكذا توارثوا هذا الطقس الروحاني الذي يسمونه(آية الرزق)..وبعدها تدور عقارب ساعات السوق لتأكل الوقت والفراغ بشهية شديدة..
ثم يتنقل الزائر (السائح) بين الازقة والدرابين على مختلف الحارات ..وفي طريقه يسمع (فيروز) تطلع من كل البيوت موسيقى ونسمات وغنج شامي يشبه التوت الذي ينتظرنا عند شارع بغداد المتخم بالجمال..فيروز بالنسبة لاهل الشام (طقس يومي) يبدأ بعد الترويقة..قبل اسبوع منع المشرف على التلفزيون السوري المحلي بث أغاني فيروز وغيرها من الاغاني..فتحولت أزقة الشام وسيارات الاجرة الى (أثاث مهجور)..ولم يعد أحد يهتم لما تبثه الاذاعة والتلفزيون .. لقد منعت فيروز من (التجوال) في حارات دمشق ..باعتبارها من (اللهو غير البريء) ..وهو عنوان عريض وبه تم تبرير الحظر ..
٣-بعد حرق شجرة عيد الميلاد ..انتاب اصحاب المحلات الحذر والخوف من عرضها أمام محلاتهم .. واكتفوا بعرضها لمن يسأل عنها..هذا مارواه صديق قديم لايهتم بالسياسة الا بما تؤثر على ( الدكان) بحرص بالغ ..وراح يقارن بين موسم الميلاد سابقاً ولاحقاً بما يبيع من هدايا وأشجار وملابس ..(شو السبب.. والله ما بعرف) راح يردد مع نفسه حوار الطرشان..
٤-في الطريق الى مرقد السيدة رقية..كانت الخطوات ثقيلة هذه المرة رغم التطمينات والابتسامات (الفقيرة)التي تستقبلك على جانبي الطريق الضيق الى المرقد.. كان المرقد مفتوحاً ولكن بلا نور (بلا كهرباء) ..والكل يتوسل بالمرقد ويتكلم (بهمس ) معه ..ثم يودعه بقبلات سريعة يطبعها على شباكه الذهبي ..بلا تزاحم .. لقد أصبح للمراقد (ساعات محددة).. وبدأ الزائر يسمع كلمات جديدة ..ويرى ابتسامات (تندر) من قريب..
٥-لم يظهر التفاعل كبيراً في الشام على تصريحات الرئيس التركي حين توعد (بدفن قسد مع أسلحتهم)..ولم يمر عليها خطباء الجمعة واكتفوا بالدعاء الى حقن دماء المسلمين ..ولم يسلم اردوغان من التندر الشعبي على تصريحه بالموت الجديد.. القادم مع حكم جديد تباشر به الكثيرون..
٦-حماس غزة تنتظر تحت الانفاق ان يستمر (الحبل السري) الممتد من سوريا ولبنان بالتغذية اليومية.. خصوصا مع حكم (الاخوة) في دمشق ..والذين يتشابهون مع حماس في الكثير من التفاصيل ( المذهبية والاخوانية والسلفية)..وغيرهن
٧-حماس خالد مشعل بارك وهنأ الشعب السوري بالحكم الجديد..وبعد بيوم واحد أعلن (الجولاني الشرع) النأي بسوريا عن أي معركة مع اسرائيل او غيرها ..لان الاولوية لسوريا حسب قوله..بينما الكيان الصهيوني لم ينأى عن سوريا وارسل لها (٤٩٠غارة) جوية لتدمر كل شي فيها (براً وبحراً وجواً)..
٨-صدرت دمشق الجديدة صورة جديدة ل(احمد الشرع) مع القيادي المصري الاخواني محمود فتحي المحكوم عليه بالاعدام في مصر ..فكانت رسالة استفزاز للمشاعر المصرية (الحاكمة) فرد عليها الازهر بطريقة التلميح مع الاستنكار لما قامت به اسرائيل من احتلال لاراضي جديدة مستغلة الاحداث الجارية في سوريا..(الاحداث) هكذا تم وصف ماجرى ..
٩-بدت سوريا الجديدة بلا (فقيه )يفتي لتتحرك الاحداث على سككه.. وهنا وقعت (الحيرة) في التعامل مع كل مايجري ..
من منع فيروز الى حرق شجرة الميلاد وهدم مرقد علوي مروراً بأنفاق حماس التي حفرها حزب الله بمشورة ايرانية..الى القصف الاسرائيلي و العفو عن حزب البعث والاشتباك الاعلامي مع مصر.. ومصر تتوسط بين حماس والكيان لوقف الموت عن أطفال غزة..
لقد رحل القرضاوي ..وغلق الازهر بابه .. فحارت الخطى ..بين بين وبين وهي تنتظر القادم ولو عبر الاثير ..في استراحة مفروضة..
١٠-بعض الدول العربية تخشى من( تتريك) سوريا..وهناك من يخشى على مصر التي أصبحت بين ولايتين تركيتين( ليبيا و سوريا) ويراها طبعة جديدة من (الربيع العربي)..وهناك من يخشى ويخشى على نفسه وعلى غيره…
والزائر (الاستثنائي) الذي زار سوريا شاهد سوريين ..ولم يشاهد (سورية ).. فحبس أنفاسه وتسلل على طريق (دمشق -بيروت) ليروي مارأى..
(حين يتجمد الامل)
عباس الجبوري