١-حول خيمة بحر العلوم لم يستطع الليل أن يرخي سدوله ..ليتسلل النعاس الى أجفان مريديه من النخب المتلذذة بالوعي..والمتعاطية للفكر…والراغبة في الاستمرار ..لتواكب وتخاطب …وربما لتختلف وتزيد..ولتأتلف وتعيد ..وفي ذلك خير كثير..ينشر رذاذه على وجوه الذاكرة والقلم والسبورة ..والمستقبل…
٢-بحر العلوم..كم كان (مرهقاً )هذا اللقب العلمي (الحوزوي) الذي ناله جدهم (لغزارة علمه)..وراح يزداد ثقلاً يوماً بعد يوم الى ان وصل الى السيد المرحوم(محمد بحر العلوم) فأنبسطت اسراريره ..واناخ رحله عنده في أجنحته الاربعة ..(الفقه -الشعر-الجهاد-السياسة)..فسعى في مدارجها ..وعرج في أحلامها ستين عاماً ..فكان له ماكان
٣-يصر نجلاه ان يبقيا (البحر) هادراً (وتلك مهمة المهمات)..فراح يضيئان معهد العلمين بقناديل سياسية جديدة..والمؤسسة بحناجر (غير مبحوحة) ..حاملين معطيات نجفية وبغدادية ومهجرية(وغيرهن) …يتباريان مع الزمن ..وحسبهما من هذه الرحلة (شرف )التواصل والاستمرار ..ويبقى البحر فسيحاً ورحيباً..في سكونه الظاهر وفي هديره الكامن..فرحاً وجمالاً ولؤلؤاً ومرجان..وسمكاً طريا..وخطوط مواصلات
٤-أمسية السبت الماضي التي حضرها الكثير من المعتقين والشباب والطامحين والدارسين والمتفقين والمختلفين ..في مؤسسة بحر العلوم للحوار ..كانت (عكاظاً) فكرياً..لامس الواقع بعمقه..وصافح التنمية بيدواحدة..وقبّلَ الوطن من جبينه..وتمنى الخير لأبنائه ..في (سوق الفكر) المنفتح على المختلف ..ليثريه او يتثرى منه..وتلك طبيعة الاقوياء..
٥-كان المتحدث في تلك الامسية السيد (محسن عبد العزيز الحكيم) ..شخصية لم تتحدث الى الجمهور او. الى النخب من قبل ..أو على الاقل هذا ما أعرفه عنه..وكانت تكتفي في الوقوف في ظل شقيقه(السيد عمار)..شراكة مسيرة ..وسنداً في الصعاب..وتم تعريفه بشهادة (دكتوراه في التخطيط الاستراتيجي)..وهو تقديم مكتظٌ بالافاق المفتوحة ..
٦-ضخ السيد الحكيم دفقاً معلوماتياً يجمع بين(التاريخ والتنمية والحاضر) ..ولكثرة المعلومات التي يمتلكها في ذاكرة (مملؤة) ..بدا (السباق ) متعباً بين قوة الدفق والحرص على الوقت ..وتداخلت أشياء أخرى ..فتم تسجيلها بنقاط (الاحتمال)..
٧-جريان الحديث كان في مضمار التنمية والسياسة والاقتصاد..لكن المتحدث أجراه بطريقة (حوزوية) في الاداء ولغة الجسد..تعتمد على الذاكرة..وتأشيرات يدين لاتحملان (ورقة ) للعناوين او الارقام .. وهذه قادمة من طريقة (القراء) على طول السنين ..ورغم ذلك لم تخنه ذاكرته بما أراد..
٨-(السردية )كان الوصف الاقرب الى المحاظرة ..والسردية يراها البعض ( قصة طويلة) أو (سالفة) ..تورث الملل..رغم بساطتها المحببة اذا كان لها بعد درامي …ولكن طبيعة الحديث وجديته ألزمت المستمعين الى تركيز الانتباه ولو (تحت القصف)الثقيل..
٩-جملة المتحدث كانت طويلة..واحيانا تهرب وتختفي من رادار المراقبة الذهنية والمتابعة ..(ولانستطيع لها طلبا) ..بعد ان تشظى الانتباه بين حرص لم يستطع اللحاق بالجملة الاولى وبين بقايا حرص يحاول أن لا تعبره الجملة الثانية..
١٠-بعد نهاية المحاظرة..انهالت على المتحدث أسراب من المسيّرات السياسية ..والصواريخ الذكية العابرة للازمان والافاق ..لرماة (مهرة) في النقد والاستدراج ..وتدوير الزوايا…بخبرة طويلة في العمل الحركي والسياسي ..قابلها بابتسامات لطيفة وسريعة…ودماثة استيعاب ..فبقي التواصل مستمراً رغم طول الوقت..بخيط سحر جميل
١١-بحر العلوم..كانت دافئة..وعامرة بما قدمته من سياحة في براري الفكر ..وغابات الامال..
وكانت المحاظرة فيها (جريئة) وغزيرة لمتحدث (ثري جدا) بمعلوماته وأرقامه.. وكان يحتاج الى (دربة) المعلم..ليزيد المستمع تعلقاً ومواكبة..كانت سفرة ممتعة لحوار جاد ..قادم من (بحر النجف) ..الممتد من مسجد الكوفة الى بيداء المتنبي التي جمعها معه الخيل والليل والقرطاس والقلم …
١٢-فرصة الحديث الى النخب تكتنز في أحشائها الكثير من الفائدة..ففيها تنمية للأداء.. وتطويرٌ للافكار.. وشجاعة (العرض) الذي يجلب بعض التوتر والانفعال ..ولكن لابد منه في عالم يتحرك سريعاً في القراءة والجدل والاستمتاع..وتبقى للمعلومة جمال..وللاداء لذة..وللخبرة أقصر المسافات ..
عباس الجبوري