في عام ٢٠٠٤ وفيما كان الحديث ساخناً حول الشكل الذي يكون عليه الدستور، أطلق القيادي الكردي محمود عثمان إنذار الخوف من الشيعة. فقد استخدم تعبير (دكتاتورية الأغلبية) في مقابلة تلفزيونية تحدث فيها عن قلق الكرد من المستقبل.
كان الاستخدام ذكياً ومقصوداً من رجل عاش شطر حياته الأكبر في السياسة، وقطع المسافة الصعبة بين كردستان وتل أبيب مرات عديدة.
عرفتْ القيادات الكردية طريقة التعامل مع الأغلبية الشيعية، وأدركت بأن الثقل البرلماني لهم سيكون محسوماً دورة بعد دورة، وعليه لابد من التحرك في المنطقة الوسطية بينهم وبين الكتل السنية. وقد نجحوا في هذه المنطقة، عندما أجبروا القيادات الشيعية والسنية على الإقتناع بأن العتلة تميل حيث يقف الكرد. وبذلك انصرفوا مرتاحين مطمئنين يأخذون من المركز ما يؤسس لمستقبلهم الإقليمي الخاص.
أما القيادات السنية، فأنها تعاملت مع (الأغلبية الشيعية) على طريقة البدوي العربي، فالحكم للسنة عبر التاريخ، ولابد أن يعود. وقد كانت تلك اللهجة مسموعة بشكل علني خلال السنوات الأولى من العملية السياسية. وأسهم في تعزيزها وإبقائها متداولة، حكومات السعودية وقطر والامارات وغيرها. لقد كانت هذه الحكومات تريد من الكتل السنية أن تستعيد السلطة بالقهر والغلبة، فكانت سنوات القتل الإرهابي مرعبة في العراق، حتى وصلت الى ذروتها في اجتياح داعش للأراضي العراقية عام ٢٠١٤.
خلال حكومة حيدر العبادي، حدثت نقلة مهمة في طريقة التفكير والتعامل عند القيادات السنية والمحيط العربي. وكان ذلك بتعديل جوهري أجرته أمريكا على منهجها في العراق.
لقد اكتشفت أمريكا بأن العنف الطائفي والنشاط الإرهابي لا يمكن أن يقوّض القوة الشيعية، وأن الأغلبية البرلمانية قدر الديمقراطية المحتوم، لذلك لجأت الى منهجية التفتيت من الداخل. ومع انها كان تعمل على ذلك منذ البداية إلا أنها قررت أن يكون العمل هذه المرة سريعاً ودقيقاً ومن غير المسموح فيه ارتكاب الخطأ.
بمشروع التفتيت، تلتقي الأطراف السياسية والإقليمية والدولية، فهو طموح القيادات السنية، وفرحة القيادات الكردية، وأمنية الحكومات العربية، وهدف أمريكا. وهكذا تشكل أكبر تحالف يستهدف الوحدة الشيعية، ويسعى الى تفتيتها، ضمن غاية استراتيجية هي إبعادهم عن الحكم الفعلي، وإنهاء احتفاظهم بالكتلة الأكبر.
قبل انتخابات عام ٢٠١٨، بدأ التنفيذ، وكان العمل سريعاً مكثفاً، وقد جاءت النتائج مذهلة في نجاحها، فالشيعة دبّ فيهم الضعف، وظهر التمزق على جسمهم. وهذا ما شجّع التحالف الخليجي الأمريكي على المضي بحماس أكبر، وفي نفس الوقت التنبه لنقطة مهمة، هي منع المراجعة الشيعية من الحصول. فاذا ما راجع الشيعة حساباتهم، فان المكاسب التي تحققت ستضيع عند أول وقفة مراجعة.
يتبع فالحديث مستمر.
٢٠ نيسان ٢٠٢٠