بدأ كل شيء في القرن الأفريقي؛ حيث ظهرت أسراب ضخمة من الجراد الصحراوي في الصومال وأريتريا وإثيوبيا العام الماضي، وانتشرت بعد ذلك إلى كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.
وبينما كافحت هذه الدول الأفريقية لاحتواء أسراب الجراد، ساعدت الرياح القوية في اجتياح الحشرة للشرق الأوسط وجنوب آسيا في الأشهر الأخيرة. وقد وصلت أسرابها بالفعل إلى السعودية والأردن والبحرين واليمن وعمان والكويت وإيران.
وبينما تعاني جميع هذه البلدان من الجراد، كانت السعودية في طليعة غزو هذه الحشرات، وعانت أكثر من غيرها.
ولا يعد الجراد ضارا بطبيعته، ولا يمثل أي خطر على المحاصيل والمراعي عندما يعيش حياته العادية. لكنه يصبح تهديدا خطيرا للزراعة وإزعاجا كبيرا للناس عند نمو أعداده.
ويمكن ظهور أسراب الجراد عندما يتبع الجفاف هطول أمطار شديدة ونمو سريع للنباتات. وخلقت الأمطار الغزيرة غير المعتادة في شرق أفريقيا خلال المواسم الرطبة على مدار العامين الماضيين بيئة مناسبة لتكاثر الجراد. ويكون الجراد قادرا على الطيران لمسافات طويلة؛ حيث يمكنه قطع 94 ميلا في اليوم.
ويمكن أن يتدفق ما يقرب من 80 مليون حشرة داخل أسراب الجراد لكل ميل مربع. ويمكنهم التحرك بسهولة وتغطية مئات الأميال المربعة.
وفي هذه الأيام، يغطي الجراد الأرض والسماء في المناطق الموبوءة. ويمثل خطرا وجوديا على الأراضي الزراعية في شرق أفريقيا والجانب الآخر من البحر الأحمر، أي السعودية.
وعند سفره في أسراب، يمكن للجراد أن يقضي على محاصيل كاملة في دقائق معدودة. ويمكن لهذه المخلوقات الغريبة أن تأكل جميع المحاصيل والنباتات والفواكه التي تمر عليها.
ويستطيع طن واحد من الجراد أن يأكل في يوم واحد ما يكفي لإطعام 35 ألف شخص؛ ما يعني أنه يهدد الأمن الغذائي للبلاد التي يغزوها.
وفي غضون أسابيع، غزا الجراد جميع أنحاء المملكة هذا الشتاء، بما في ذلك المزارع والمناطق الزراعية في القصيم والرياض ومكة وحائل والمنطقة الشرقية.
وعندما بدأت الأسراب في استهلاك المحاصيل في عسير وجازان والباحة والليث ومكة والقنفذة، تم مواجهتها بالمبيدات.
وحسب "محمد الشمراني"، الذي يترأس قسما في وزارة البيئة السعودية يركز على مكافحة الجراد، فإن المملكة تحاول التخلص من الحشرات منذ بداية هذا العام.
وأكد "الشمراني" أن السلطات كانت ترش المبيدات في جميع أنحاء ساحل المملكة على البحر الأحمر والحدود مع الدول الأخرى.
وقالت وزارة الزراعة والمياه السعودية، في فبراير/شباط، إن مدن المنطقة الشرقية، وخاصة الدمام وحفر الباطن، تمت معالجتها وتطهيرها من الجراد، لكن تلك الحشرات لا تزال موجودة في مدن ومجتمعات المنطقة الأخرى، مثل الخبر والقطيف و بقيق.
وبينما بدا أن الجيل الأول من أسراب الجراد قد اختفى في بعض مناطق البلاد، فمن المتوقع ظهور جيل جديد قريبا.
ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، سيكون احتواء الجراد في الخليج الفارسي والقضاء عليه خلال فصل الربيع أمرا حاسما قبل بدء موسم التكاثر الجديد في الصيف.
ويعد الاستخدام الجوي والأرضي اليومي للمبيد الحشري التدبير الفعال الوحيد للسيطرة على الأمر، لا سيما أنه يمكن للجراد وضع البيض والتكاثر بسرعة كبيرة.
وواجهت المملكة ودول أخرى في المنطقة غزو الجراد عام 2019 أيضا. ومع ذلك، فإن الهجوم هذا العام أسوأ مقارنة بالعام الماضي.
حتى أن بعض الناس أكلوا الجراد في المملكة بدعوى زيادة نسبة البروتين فيه. لكن السلطات المحلية نصحت بعدم أكل الجراد بسبب ارتفاع نسبة المبيدات الحشرية.
ويعد تغير المناخ أحد التحديات الرئيسية لمواجهة مشكلة الجراد. فكلما كان المناخ أكثر سخونة، كلما أصبح الجراد أكثر ضررا.
وكانت الأعوام الخمسة الماضية من ضمن الأعوام الأكثر سخونة منذ الثورة الصناعية. ويمكن للتغيرات الشديدة في الطقس، مثل هطول الأمطار الغزيرة بشكل غير عادي خلال المواسم الممطرة بعد الجفاف، أن تخلق ظروفا مثالية لتكاثر الجراد.
وإذا كانت الأسراب خارجة عن السيطرة، فيتم تعريفها كـ"وباء". وكانت هناك 6 مرات تم اعتبارها "وباء جراد" في التسعينات وبين عامي 2003 و2005.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريس"، محذرا من تزايد مشكلة الإصابة بالجراد: "هناك صلة بين تغير المناخ وأزمة الجراد غير المسبوقة. وتعني البحار الأكثر دفئا المزيد من الأعاصير التي تولد أرضا خصبة لتكاثر الجراد. واليوم، أسراب الجراد كبيرة وتزداد سوءا يوما بعد يوم". ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن وباء هذا العام هو الأسوأ منذ 25 عاما.
وكانت الأسراب هذا العام مدمرة للمحاصيل والنباتات في جميع أنحاء شرق أفريقيا. وهناك مخاوف من نقص حاد في الغذاء في الصومال وأثيوبيا وكينيا التي تعاني بالفعل من الفقر.
وتستورد السعودية 80% من احتياجاتها الغذائية، في حين يتم إنتاج الـ20% المتبقية محليا. ولا تزال هناك فرصة لإنقاذ الزراعة في الدولة الغنية، إذا كثفت البلاد عمليات الرش خلال الربيع.
وإذا لم يتم احتواء الجراد، فقد يدمر قدرة المملكة على توفير الأمن الغذائي؛ ما ينذر بارتفاع أسعار المواد الغذائية في وقت يعاني فيه اقتصادها بالفعل من تأثير فيروس "كورونا" على الصحة العامة، وتلقي حرب أسعار النفط مع روسيا بتأثيرها الضار على قطاع الطاقة.
وبما أن وباء الجراد حدث لمدة عامين على التوالي؛ فينبغي أن تكون السعودية مستعدة إذا تكررت المشكلة العام المقبل. ومع ذلك، من الصعب تجنب الجراد عندما تكون البلدان التي نشأت منها في أفريقيا محدودة الموارد والقدرات لمنعها من النمو والانتشار.
وأخيرا، أعاق انتشار "كورونا" الجهود المبذولة للقضاء على الجراد في كينيا والصومال وأثيوبيا وإيران واليمن، بينما أحرزت دول أخرى، بما في ذلك السعودية، تقدما في الحد من وباء الجراد.
ومع دخول موسم التكاثر الجديد في أبريل/نيسان من المرجح أن يعود الجراد من جديد في شرق أفريقيا والشرق الأوسط.
ونظرا لأن تلك الحشرات لا تعرف حدودا وطنية، فإن السعودية، إلى جانب الدول الغنية الأخرى في مجلس التعاون، يمكن أن تساعد دول شرق أفريقيا الأكثر فقرا على السيطرة على الوضع، خاصة في ظل التحدي المتمثل في معالجة مشكلة عالمية أخرى، أي فيروس "كورونا".
وإن لم تفعل السعودية ذلك، فإن البديل هو وباء من الجراد يلتهم كل شيء في طريقه.