نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا حصريا لمراسلتها ستيفاني كيرتشغاسنر، تقول فيه إن السعودية استغلت الضعف في نظام الاتصالات العالمي لمتابعة مواطنيها وملاحقتهم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن شخصا "مبلغا" أطلع "الغارديان" على الملايين من مطالب السعودية بمتابعة مواطنيها أثناء تنقلهم في داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وتلفت كيرتشغاسنر إلى أن البيانات التي كشف عنها الشخص "المبلغ"، الذي يحاول الكشف عن ملامح الضعف في نظام الرسائل الدولية المعروف بـ SS7، عن حملة تجسس منظمة قامت بها المملكة، مشيرة إلى أن البيانات تظهر أن ملايين الطلبات السرية الصادرة من السعودية تمت على مدى أربعة أشهر بداية من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
وتقول الصحيفة إن محاولات التتبع، التي كانت تسعى لتحديد مواقع الهواتف المسجلة في السعودية، جاءت على ما يبدو من ثلاث شركات هواتف نقالة في السعودية.
وينقل التقرير عن الشخص "المبلغ"، قوله إنه وخبراء لم يستطيعوا العثور على دافع حقيقي وراء المحاولات المتعددة للمعلومات عن موقع الهاتف، وأضاف: "لا يوجد أي تفسير، ولا أي سبب فني لعمل هذا، وحولت السعودية تكنولوجيا الهاتف المحمول إلى سلاح".
وتفيد الكاتبة بأن البيانات التي حصل عليها الشخص "المبلغ" عرضت على خبراء اتصالات وأمن، وأكدوا بدورهم أنها تعبير عن حملة رقابة سعودية، لافتة إلى أن البيانات كشفت عن طلبات تحديد موقع الهاتف المحمول، التي تتم عادة من خلال نظام الرسائل الدولي SS7، الذي يسمح للمشغلين بربط المستخدمين حول العالم.
وتورد الصحيفة مثالا على كيفية عمل هذا النظام، بأن أمريكيا سافر إلى ألمانيا، وحاول إجراء مكالمة هاتفية مع أهله في أمريكا، وعندها يتم وصله عبر شبكة SS7، فيسمح هذا النظام بمتابعة الهواتف، وهو أمر كان مثيرا لقلق للخبراء، فعندما يتلقى حامل هاتف أمريكي، مثل "فيرزيون" أو "تي موبايل" أو "إيه تي أند تي" ما يطلق عليه (Provide Subscriber Information) (PSI) على شكل رسالة SS7 من مشغل هواتف، فإن هذا طلب بالمتابعة.
وينوه التقرير إلى أنه يتم استخدام هذه الطلبات بطريقة شرعية لمساعدة مشغلي الهواتف الأجانب على تسجيل فواتير التجوال، لكن الاستخدام المفرط لهذه الرسائل من شركات الهواتف النقالة هو عبارة عن محاولة لتحديد الموقع.
وتشير كيرتشغاسنر إلى أن الخبراء عبروا عن قلقهم من طلبات المتابعة؛ لأنها مستمرة وبوتيرة عالية، وصادرة من المشغلين السعوديين الذين يريدون تحديد مواقع المشتركين السعوديين في حال دخولهم إلى الولايات المتحدة.
وتقول الصحيفة إنه من غير المعلوم إن كانت شركات الهواتف السعودية، التي تطلب تحديد مواقع حاملي الهواتف السعوديين المشتركين معها، متواطئة في أي عملية رقابة حكومية، إلا أن التقارير تحدثت بشكل واسع عن استخدام الحكومة السعودية للأسلحة الإلكترونية للقرصنة على المعارضين والنقاد لولي العهد محمد بن سلمان.
ويذكر التقرير أن "الغارديان" كشفت، في كانون الثاني/ يناير، عن اختراق سعودي لهاتف الملياردير ومالك "أمازون" جيف بيزوس، الذي تلقى عام 2018 رسالة على حسابه في "واتساب"، جاءت من حساب شخصي لابن سلمان.
وتنقل الكاتبة عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط، والموظف السابق في مجلس الأمن القومي أثناء إدارة باراك أوباما، أندرو ميلر، قوله إن الرقابة هي جزء من أسلوب العمل في السعودية، "أعتقد أنهم لا يتتبعون المعارضين، لكن من يخشون أنهم سينحرفون عن دعم القيادة السعودية.. يخافون مما سيقوم به السعوديون عندما يذهبون إلى الدول الغربية".
وبحسب الصحيفة، فإن بيانات الشخص "المبلغ" تكشف عن أن طلبات PSI ضغطت بشدة على مشغلي الهواتف النقالة في الولايات المتحدة، وتشير إلى أن أكبر شركات هواتف نقالة في السعودية، وهي "سعودي تليكوم" و"زين" و"موبايلي"، أرسلت ما مجموعه 2.3 مليون طلب متابعة لمشغلي الهواتف النقالة في أمريكا، وتغطي هذه الفترة ما بين 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 و1 آذار/ مارس 2020.
ويفيد التقرير بأن البيانات تشير إلى أن الهواتف المسجلة في السعودية تعرضت للمتابعة أثناء سفر حامليها في الولايات المتحدة، ما بين 2-13 مرة في الساعة، لافتا إلى قول الخبراء إن مستخدمي الهواتف تعرضوا للملاحقة على مسافة أمتار في مدينة معينة.
وتقول كيرتشغاسنر إن البيانات، التي اطلعت عليها الصحيفة، لم تكشف عن هوية المستخدمين الذين تمت ملاحقتهم، مشيرة إلى أن الصحيفة لم تحصل على تعليق من سفارتي السعودية في واشنطن ولندن، ولا من شركات الهواتف النقالة المذكورة.
وتورد الصحيفة نقلا عن الباحث والفني في "نوكيا بيل لابس" سيد راو، قوله إن البيانات تظهر و"باحتمالية عالية" قيام السعوديين بحملة رقابة، وهو ما تكشفه طلبات المتابعة المتعددة، إلا أن راو علق قائلا إنه من الصعب تحديد ما هو للمتابعة أو أنه مكالمة عادية، إلا أن حجم البيانات التي قدمها الشخص "المبلغ" جعلت راو واثقا بأن الطلبات ليست شرعية، فقام السعوديون بإرسال طلبات لتحديد الأماكن والمعروفة باسم Provide Subscriber Location أو PSL وهي ممنوعة لدى المشغلين الأمريكيين للهواتف، ما يثير مجالا واسعا للريبة.
وينقل التقرير عن الباحث البارز في "سيتزن لاب" في جامعة تورنتو، جون سكوت رايلتون، قوله إن البيانات التي أطلعت عليها "الغارديان" تكشف عن استغلال السعودية، و"إساءة استخدام صارخة" لشبكة الهواتف النقالة الأمريكية، وأضاف: "في هذه اللحظة من الأزمة يجب على شركات الهواتف والمنظمين ووزارة العدل التدخل ومنع القوى الخارجية من ملاحقتنا من خلال هواتفنا".
وتذكر الكاتبة أن "تي موبايل" لم تستجب لطلب الصحيفة التعليق حول تلقيها طلبات متابعة، فيما قالت "إيه تي أند تي" إن لديها نظاما يمنع رسائل المتابعة.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن السيناتور الديمقراطي عن ولاية أوريغان، وعضو لجنة الاستخبارات، رون ويدن، أرسل رسالة إلى منظم الهواتف النقالة، يحذر فيها من "مهاجمين خبثاء" يقومون باستغلال SS7.