×

أخر الأخبار

في الذكرى التاسعة لصدور الفتوى المباركة( فتوى السيستاني بالجهاد الكفائي وتأسيس الحشد الشعبي)

  • 13-06-2023, 17:41
  • 332 مشاهدة
  • صلاح عبد الرزاق

( فتوى السيستاني بالجهاد الكفائي وتأسيس الحشد الشعبي)

أعلن دار الورشة للطباعة والنشر صدر كتاب ( فتوى السيستاني بالجهاد الكفائي وتأسيس الحشد الشعبي) الذي يتناول ظروف وحيثيات صدور فتوى الجهاد الكفائي وتأسيس الحشد الشعبي.
تضمن الكتاب مقدمة وخاتمة وتسعة فصول.  

مقدمة
ما فتئت المرجعية الشيعية في النجف الأشرف متمسكة بمصالح الأمة ومعبرة عن توجهاتها وطموحاتها، وتعكس مواقفها خاصة في الأزمات والمنعطفات الخطيرة، فكان سلاح الفتوى أقوى سلاح تشهره المرجعية بوجه أعداء الأمة في كل العصور.
وإذا كانت فتاوى الجهاد تصدر ضد الغزاة الأجانب وجيوش وأساطيل الاستعمار خلال القرن العشرين، فهي في القرن الواحد والعشرين موجهة ضد جماعات ترفع شعارات ورايات إسلامية تقوم بذبح المواطنين العراقيين على الهوية الطائفية أو حسب التصنيف المعتمد لدى شيوخ هذه الجماعات فتقتل من تسميهم بالرافضة (الشيعة) والمرتدين (السنة) والمشركين (المسيحيين والايزديين).
جاء تأسيس الحشد الشعبي كمؤسسة أمنية ذات بعد عقائدي ترسيخاً لمبدأ الدفاع المقدس عن الوطن والشعب والعقيدة. كما جاء لاستيعاب مئات الآلاف من المتطوعين الذي لا تستطيع مؤسسات القوات الأمنية الموجودة فعلياً من استيعابهم فضلاً عن توفير التدريب والتسليح والدعم اللوجستي لهم.
لقد أضحى الحشد الشعبي قوة أمنية شعبية عقائدية كان العراق بحاجة إليها لمواجهة الأخطار التي تهدد الشعب العراقي وأرضه ومنها داعش أو أية قوة غاشمة قد تفكر بتهديد العراق وأمنه وترابه ومستقبله. لذلك تفاعل الشعب العراقي مع الحشد الشعبي لأنه وجد فيه الأمل والطموح والنصر والإرادة والتضحية والبطولة والفداء.
لقد جسّد الحشد الشعب روح الفتوى الخالدة والانطلاقة الحقيقية لنداء المرجعية في التصدي للعدوان والتوحش والتعصب وسفك الدماء وتدنيس المقدسات وهدم الإرث الإنساني وتدمير كل القيم والأخلاق والأعراف. لذلك كان لابد من التصدي لداعش وغيرها في نهضة شعبية عقائدية تستلهم من ثورة الحسين عليه السلام وبطولات أصحاب الحسين الذين ضحوا معه لتحقيق أهداف سامية والدفاع عن الحق ودفع الظلم والبطش والتعسف والتعذيب والقتل.

خاتمة
كانت فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها السيد السيستاني إنطلاقة فقهية وسياسية وأمنية جديدة غيرت المسار الانهزامي والتردد في مواجهة قوى الكفر والضلال منذ سقوط نظام صدام عام ٢٠٠٣م وحتى عام ٢٠١٤م، إذ لم يسبق للمرجع الشيعي الأعلى أن أصدر فتوى جهاد ضد تنظيم القاعدة وبقية الجماعات الإرهابية التي ارتكبت جرائم طائفية منذ عام ٢٠٠٤م في بغداد والمحافظات.
فالسيد السيستاني تصدى بالجهاد لأول مرة منذ قرن من الزمان عندما أدرك أن داعش ومن يقف معها من القوى الإقليمية والدولية تهدد وجود الدولة العراقية وتهدف إلى استئصال الشيعة وتخريب عتباتهم ومقدساتهم وتجعلهم عبيداً وجواري كما فعلت بالعراقيين الايزديين، وتدمير مساجدهم وحسينياتهم كما فعلت بالكنائس المسيحية، وتهجيرهم من مدنهم وجعلهم إما نازحين في بلدهم كما فعلت مع السنة، أو لاجئين في الدول المجاورة، إن داعش كانت تهدف إلى إزالة المكونات العراقية وتدمير النظام السياسي القائم على احترام الحقوق والحريات والتعددية السياسية والفكرية وتأسيس نظام استبدادي يعتمد على بيعة أمير داعش (أبو بكر البغدادي) والخضوع لأوامره وتعليمات جماعته.
لقد كانت توقعات السيستاني في محلها لأن نظام وحكومة داعش في الموصل التي دامت ثلاث سنوات كانت كابوساً على سكان الموصل السنة، إذ تعرض الرجال والنساء إلى عقوبات بسبب ملابسهم أو شعورهم أو التدخين وغيرها. وكانت تفرض تعليمات خاصة بمنع أزياء معينة أو حلق اللحية، كما كانت الضرائب تؤخذ من رواتب الموظفين مباشرة عند استلامها، والمحلات التجارية والكسبة كانوا يدفعون إتاوات شهرية لعناصر التنظيم. وكانت داعش قد استولت على ما يقارب (٥٠٠) مليون دولار موجودة في البنك المركزي العراقي فرع الموصل وبقية المصارف.
 هذه المشاهد اليومية القمعية والتعسفية كانت تقلق المرجع الأعلى وكان يتابع كل الاستعدادات العسكرية لدحر داعش والقضاء عليها نهائياً، ورفع سطوتها عن التراب العراقي.
لقد أثبتت المرجعية أنها تمتلك أسلحة معنوية وروحية قادرة على مقارعة سلاح الظالمين والكافرين والخوارج، إذ كان كثيرون يعتقدون أن المرجعية تخشى وتتردد في الإفتاء فيما يتعلق بالدماء والأرواح والأعراض استصحاباً للتقليد الفقهي والاجتماعي للفقهاء الذي لا يؤمنون بمدرسة ولاية الفقيه على النموذج الإيراني، لكن المرجعية كانت ولا زالات تتعامل مع القضايا السياسية والأمنية بحكمة وروية وحسب معطيات كل قضية وظروفها ومدى خطورتها، والإمكانات المتوفرة لحلها.
لقد جاءت فتوى الجهاد الكفائي مفاجأة لأوساط شيعية وإقليمية ودولية،ـ ولعل داعش لم تتوقع صدور الفتوى لأنها - أي داعش - اعتادت على صدور فتاوى الجهاد من آمراء الجماعات الإسلامية المتطرفة أمثال بن لادن والظواهري والزرقاوي وأمثالهم، فيما امتنع الامام الخميني(قدس سره)، عن إصدار فتوى بالجهاد رغم تعرض إيران لحرب طويلة عندما غزتها قوات صدام ودمرت العشرات من المدن وتهجير ملايين الإيرانيين من محافظاتهم، كما لم تصدر فتوى الجهاد ضد العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني الشيعي عام ٢٠٠٦م،  واجتياح الدبابات الصهيونية مدن وقرى الشيعة واستشهاد المئات من المدنيين الأبرياء.

لقد خلقت الفتوى لأول مرة حالة اجتماعية ونفسية تمثلت في التفاف الجماهير الشيعية حول الفتوى والتمسك بتنفيذها عندما تطوع مئات الآلاف شيباً وشباناً ملبين نداء المرجعية، وهي حالة لم تعشها الأجيال الحالية منذ فتوى المرجع السيد كاظم اليزدي عام ١٩١٤م،  بالجهاد الدفاعي ضد القوات البريطانية الغازية للعراق أثناء الحرب العالمية الأولى.
كما أوجدت الفتوى لأول مرة قوة عسكرية عقائدية قادرة على الدفاع عن العراق أرضاً وشعباً بكل مكوناتهم. وأصبح الحشد الشعبي قوة ضاربة يحسب لها ألف حساب داخلياً وإقليميا ودولياً. وصار الحشد الشعبي حاضراً في الخطط العسكرية والأمنية العراقية، وله دور في مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة.
وأصبح الحشد الشعبي يشكل هاجساً لبعض القوى والدول لبأسه وشدته وقدرته على المواجهة.
 وبات الحشد يشكل خطراً على المخططات المحلية والإقليمية والدولية، لذلك صدرت التصريحات المطالبة بحل الحشد الشعبي. وما الحملات الإعلامية العراقية والعربية والغربية إلا دليلاً على عمق التأثير الذي يشكله الحشد في أذهان السياسيين والعسكريين والمخططين الاستراتيجيين.
وما الهجمات التي تقوم بها أمريكا وإسرائيل إلا مؤشراً على تلك القناعات التي تهدف إلى تحطيم نفسية الحشد أولاً وتدمير مواقعه ثانياً، لكنها باءت بالفشل في تحقيق تلك الأهداف.