احد ابعاد حياة سيد نساء العالمين فاطمة بنت الخاتم محمد ( ص ) و الذي عاشته بتكامل بجميع جهاته هو البعد العائليّ .
لم يكن البيت مشكلةً لها ، ولم يكن سجناً في إحساسها بهذا البيت ، ولم تكن الأمومة أو الزّوجيّة عبئاً ، لأنّنا ربما نلتقي بنماذج في المجتمع قد يشعرن أمام العنوان الفضفاض للحريّة ، بأنّ البيت أو الزوجيّة أو الأمومة ، ولا سيَّما إذا تحركت لتقسو على المرأة بكثير من الأعباء و المشاكل و الآلام ، عبء ثقيل على أكتافهنّ ، أو يشعرن بالضّغط الرّوحيّ على أرواحهنّ ، فيعشن ، و الأمومة هي سرّ امتداد الإنسانيّة في الحياة .
فإذا كان بعض الناس ينظر إلى البيت على أنّه سجن ، فيمكن أن ينظر إلى الجانب الثاني من الصّورة ، أنّ البيت هو المحضن الذي انطلق منه عندما كان طفلاً ، ليحتضن الآخرين بعد أن صار كبيراً ، لأنّ قضيّة إحساسنا بالأشياء من حولنا ، يختلف باختلاف طبيعة نظرتنا إلى الأشياء .
بعض النّاس ينظرون إلى جانب من الصّورة و يصدرون الحكم عليها . ولكنَّنا إذا نظرنا إلى الصّورة من جميع جوانبها ، فإنَّ السلبيّات قد تلتقي بالإيجابيّات ، و عند ذلك ، لا تكون المسألة سلبيّةً مطلقةً توحي بالسّقوط ، أو تكون إيجابيّة توحي باللاواقعيّة .
لذلك ، قصّة أن تكون المرأة زوجة ، كقصّة أن يكون الرّجل زوجاً ، و قصّة أن تكون المرأة أمّاً ، كقصّة أن يكون الرّجل أباً ، و إذا كانت الأمومة تضغط على المرأة باعتبارها شيئاً يعيش في داخل جسدها ، فإنّ الأبوَّة تضغط على الرّجل عندما يتحمّل مسؤوليّة البيت الزوجيّ ، ليعاني و يهاجر و يتشرّد و يسقط تحت تأثير القضايا .
و إذا كانت القضيّة تختلف في طبيعة الشَّكل ، فإنها تتّفق في طبيعة الجوهر فيما هو الضّغط ، و فيما هي الآلام و المشاكل ، إذا أردنا أن ننظر إلى الصّورة من جانبيها في هذا المجال .
لذلك ، كانت أمّاً تعاني كلّ قسوة الأمومة في متاعبها ، و كانت زوجة تعيش كلّ مسؤولية الزوجة ، و كانت ربة بيت .
و من الطّرائف أنّ عليّاً و فاطمة (ع) تقاضيا إلى رسول الله لتقسيم الأدوار فيما بينهما ، فجعل للزهراء أن تطحن و تعجن و تخبز ، و جعل لعليّ أن يكنس البيت و يستقي و يحتطب...
و هكذا كانت المسألة ، و أحس عليّ (ع) بثقل المسؤوليّة على الزهراء (ع) ، لأنها كانت ضعيفة البدن ، فقال لها : هلّا ذهبنا إلى رسول الله لنطلب منه خادماً ، فقد أثقلك عبء الأولاد و عبء البيت ؟! و جاءا إلى رسول الله ، و كان رسول الله لا يريد أن يميّز ابنته عن بقيّة المسلمين و المسلمات ، و لذلك قال لهما: ( أفلا أعلّمكما ما هو خيرٌ لكما من الخادم ؟ إذا أخذتما منامكما ، فسبِّحا ثلاثاً و ثلاثين ، و احمدا ثلاثاً و ثلاثين ، و كبِّرا أربعاً وثلاثين ) .
و بقي هذا الذّكر يحمل اسم تسبيح الزّهراء (ع) .
و ربما نجد بعض يقولون إنّ هذا دليل على أنّ الدّين أفيون الشّعوب ، باعتبار أنّ الانسان يتخدّر .
و لكنّنا نقول إنَّ الإنسان يقوى ، لأنّه يمثّل الحقيقة التي تعمِّق الإيمان في نفس الإنسان .
و نحن نعرف أنَّ الإنسان كلّما كان قويّ الإيمان أكثر ، كان قويّ الموقف أكثر ، و كان صلباً في مواجهة التحدّيات أكثر .
و قصّة النّضال و الجهاد والكفاح و الشّهداء و الأحرار ، هي قصّة إيمان يحوّل الإنسان إلى طاقة حديديّة تستعصي عن الانحناء و السّقوط .
نسأل الله حفظ الاسلام و اهله
نسأل الله حفظ العراق و شعبه